فقه الصدقة عند أمير المؤمنين (عليه السلام)

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2054
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
فقه الصدقة عند أمير المؤمنين (عليه السلام)

بقلم الشيخ مرتضى الزيدي

 

ربما يتصوّر البعض أن الأمور المستحبة لا تشغل حيّزاً كبيراً في منظومة الشريعة الإسلامية المقدسة، إلا أن هذا التصوّر يزول سريعاً بمطالعة الأيات المباركة والروايات الشريفة التي نقلت أفعال المعصومين ( عليهم السلام ) قبل أقوالهم في التأكيد على نشر ثقافة التصدق بإعتبارها واحدة من أهم الوسائل التي يُعتَمد عليها في التكافل الأجتماعي في المجتمع المسلم وما دمنا في رحاب (أسبوع الولاية) من شهر ذي الحجة الحرام الذي أشتمل على مناسبات مهمة جداً كان من أهمها واقعة الغدير، والمباهلة مع نصارىٰ نجران، وحادثة تصدق أمير المؤمنين (عليه السلام) بخاتمه وهو في ركوع صلاته والتي صادفت اليوم الرابع والعشرون من هذا الشهر وقد نزلت في هذه الحادثة واحدة من أهم الآيات القرآنية الشريفة التي يستدل بها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)

قال تعالى "إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الَّذِينَ يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" 《1》.

ونحن من خلال هذه الحادثة التي خلّدها القرآن الكريم نريد الحديث عن فقه الصّدقة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن المتتبّع لسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) يجد بوضوح مدى إهتمام الإمام (عليه السلام) بهذه السُنّة المستحبة التي أكدت عليها الآيات الشريفة وأحاديث النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولذا نجد أمير المؤمنين (عليه السلام) قد جسّد هذه السُنّة الإسلامية الإنسانية خير تجسيد على مستوى الفعل قبل مستوى القول فسعى جاهداً لنشر هذه الثقافة وحثَّ المسلمين عليها وقد جاءت الروايات عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في فضل الصدقة في أبواب مختلفة ومتعدّدة، فكانت هذه الروايات أدلة شرعية على استحباب هذه ألسنة المؤكدة إذ إن فضل التّصدق تارةً يكون منوطاً بزمان كما في يوم الجمعة مثلاً وأخرى يكون منوطاً بمكان كمدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثالثة يكون منوطاً بحال من الأحوال كما في صدقة السر مثلاً، ومن لطيف ما روي في تفسير الآية القرآنية الشريفة "الَّذِينَ ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانية" 《2》 في أنها نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهماً وبالنهار درهماً وسراً درهماً وعلانية درهماً. 《3》

وفي ذلك شاهد صدق على مدىٰ حب أمير المؤمنين (عليه السلام) لهذه السُنّة المباركة وهي التصدق.

وإذا أردنا أن نلاحظ جملة من الروايات التي رويت عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في فضل الصدقة نجده يشير إلى المعطيات التي يمكن أن يحصل عليها الإنسان المؤمن من التصدق. قال (عليه السلام) :أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله... وصدقة السر فإنها تُذهِبُ الخطيئة وتطفيء غضب الرب. 《4》

ولا يتعجب المرء من عظيم الأجر هذا على صدقة السر فإن الأحاديث في هذا المعنى كثيرة ولعل الحكمة في ذلك أن صدقة السر تحفظ كرامة الإنسان المحتاج ولا تشعره بذلّ الحاجة.

قال (عليه السلام) :الصدقة في السر من أفضل البر. 《5》

والقصص التي تروي صدقة السر عند أمير المؤمنين (عليه السلام) عديدة. 

كما أن آثار الصدقة لاتختص بالمؤمن وإنّما تتعدىٰ في آثارها حتى إلى الكافر ولو على المستوى الدنيوي قال (عليه السلام) :الصدقة جُنّةٌ عظيمة وحجابٌ للمؤمن من النار ووقاية للكافر من تلف المال ويُعجّل له الخلف ويدفع السقم عن بدنه وماله ُ في الآخرة من نصيب《6》. 

ومن المعاني التي جاءت في كلماته (عليه السلام) أن الصدقة تستنزل الرزق وفي ذلك حث للفرد على الإنفاق من جهة وحث للمجتمع للتكافل الأجتماعي من جهة أخرى. روى عنه عليه السلام أنه قال:

تصدقوا بالليل فإن صدقة الليل تطفي غضب الرب، أنفقوا مما رزقكم الله فإن المنفق بمنزلة المجاهد في سبيل الله، فمن أيقن بالخلف جاد وسخت نفسه بالنفقة داووا مرضاكم بالصدقة، حصنوا أموالكم بالزكاة، التقدير نصف العيش، الهم نصف الهرم، ما عال امرء اقتصد، ولا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، لكل شئ ثمرة وثمرة المعروف تعجيله، من أيقن بالخلف جاد بالعطية، استنزلوا الرزق بالصدقة《7》. 

وفي ختام الحديث أود الإشارة إلى أمرين :

أحدهما :أننا أحببنا إستذكار خصلة من خصال أمير المؤمنين (عليه السلام) والتي سجلها القرآن الكريم في حادثة التصدق بالخاتم. 

الآخر: الإشارة إلى البعد الفقهي لهذه الخصلة (التصدق) وما تتصف به من الأستحباب الشرعي الذي أكدت عليه الشريعة الغرّاء من خلال آيات عديدة من الكتاب العزيز، وروايات كثيرة عقد لها صاحب الوسائل أبواباً زادت على الخمسين باباً، وماذلك الاّ لأهمية هذه السُنّة المباركة التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع الإسلامي.

 

1 - المائدة : 56

2 - البقرة: 274

3 - الميزان في تفسير القرآن: 2\406

4 - ميزان الحكمة: 5\2119

5 - تحف العقول: 123

6 - ميزان الحكمة: 5\2113

7 - وسائل الشيعة: 6\280

Powered by Vivvo CMS v4.7