صفر الخير وتصفير الذنوب
بقلم الشيخ ميثم الفريجي
السلام عليكم
هناك كلام يتداوله الناس أن شهر صفر شهرٌ منحوس ومشؤوم تتنزل فيه البلايا والمحن ، فلا يشترون الشيء الجديد ، ولا ينتقلون الى بيت جديد ونحو ذلك ، فهل هذا الكلام صحيح ؟
علما انهم يستدلون له بأمرين :
1 انه مذكور في مفاتيح الجنان ما نصه : ( أعلم أن هذا الشهر معروف بالنحوسة )
2 وجود رواية عن النبي (صلى الله عليه واله ) : (( من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة ))
ارجو الأجابة وتوضيح الصحيح لنا .
عليكم السلام
لا دليل من القرآن الكريم ، ولا من السنة المطهَّرة على نحوسة شهر صفر ، فلا ينبغي رفع مستوى الحزازة الى درجة تعطّل بها الحياة ، ويدُبّ معها التشاؤم في ربوع المجتمع ، بل الدليل على خلافه فقد ورد المنع عن التشاؤم والتطيّر ومعاداة الايام
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ الاعراف :131
وهذه الآية المباركة واضحة في ذم التشاؤم والتطيّر ، وأنّه ليس مختصاً بعرب الجاهلية قبل الاسلام ، بل كان سائدا في أوساط و مجتمعات سبقتهم .
وورد عن النبي (صلى الله عليه واله ) أنّه قال : ( ليس منا مَن تطيَّر أو تُطيِّر له أو تكهّن أو تُكُهِّن له أو سحر أو سُحِر له ) .
وورد عن الإمام الرضا (عليه السلام ) أنَّه سُئل : عن الخروج يوم الأربعاء لا يدور، أي آخر أربعاء من الشهر فقال (عليه السلام ) : من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافًا على أهل الطيرة وُقيَ من كلِّ آفة وعوفي من كل عاهة وقضى الله له حاجته ) .
و هذه الرواية واضحة في الحث على تحدّي هذه الثقافة ( التشاؤم والنحوسة والتطيّر ) ، ووعد من تمرَّد عليها بالوقاية من الآهات ، والمعافاة من الآفات ، والتوفيق لقضاء الحاجات.
وورد عن الإمام الهادي (عليه السلام ) أنَّه دخل عليه الحسن بن مسعود فقال له : نكبت إصبعي (جرحت) وتلقاني راكب وصدم كتفي ودخلتُ في زحمةٍ فخرَّقوا عليَّ ثيابي فقلت كفاني الله شرَّك من يوم فما أشأمك ، فقال لي (عليه السلام ) : ( يا حسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له ، قال الحسن : أستغفر الله أبدًا وهي توبتي يا بن رسول الله . فقال ( عليه السلام ) : ( والله ما ينفعكم ولكنَّ الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذمَّ عليها فيه ... لا تعد ولا تجعل للأيام صنعًا في حكم الله ).
وورد عن النبي (ص) أنَّه قال: ( إذا تطيَّرت فامضِ وإذا ظننت فلا تقضِ ... )
وورد عنه ( صلى الله عليه واله ) أنّه قال : ( كفارة الطيرة التوكل ) .
و في الرواية ان الامام الهادي ( عليه السلام ) سُئل حينما كان في ( سر من رأى) : يا سيّدي حديث يروى عَنِ النبيّ (صلى الله عليه واله) لا أعرف مَعناه
، قال : وَما هُو ،
قُلت : قوله : (( لا تُعادُوا الايّام فتُعاديكم )) ما مَعناه ؟
فقال : نَعم الايّام نَحن ما قامَتِ السّماوات والارض ،
فَالسَّبت اِسم رَسول الله (ص)
وَالاحد أمير المؤمنين (ع) ،
وَالاثْنان الحَسَن وَالحُسين (ع) ،
والثّلاثاء عليّ بن الحسين وَمحمّد بن عليّ وجَعفر بن محمّد (ع) ، والاربعاء مُوسى بن جعفر وعليّ بن مُوسى ومحمّد بن عليّ وَأنا
والخميس ابني الحَسَن (ع) ،
والجُمعة ابنْ ابني واليه تجتمع عصابة الحقّ ، فهذا مَعنى الايّام فَلا تُعادوهم في الدّنيا فيُعادوكم في الاخرة .
وامَّا ماذُكر كدليل على هذه النحوسة فلا حجية فيه :
1 ما ذكره الشيخ عباس القمي رضوان الله عليه في مفاتيح الجنان : ( أعلم أن هذا الشهر معروف بالنحوسة ) لعلّه بصدد نقل ما عليه الناس من اعتبار نحوسة هذا الشهر وأنّه متعارف لديهم النحوسة فيه ، لذا لم يذكر دليلا على ذلك ، و اكتفى بذكر استحباب الصدقة لرفع النحوسة لإطلاقات أدلة الصدقة الدالة على دفع البلاء بشكل مطلق ، كما أنه ذكر الدعاء بالمأثور لنفس الغرض .
2 وأمّا الرواية المنسوبة الى النبي ( صلى الله عليه واله ) ، فهي مرسلة ، ولم تروَ في ايِّ من الكتب الحديثية المعتبرة ، وخلت منها كتب القدماء
نعم ، ذكرت مرسلة في مستدرك سفينة البحار
نعم يصادف في شهر صفر عدد من المناسبات الحزينة التي تدمع لها العيون وتدمى لها القلوب : وفاة النبي محمد ( صلى الله عليه واله ) ، واستشهاد الإمامين الحسن المجتبى وعلي الرضا ( عليهما السلام ) ، ورجوع قافلة السبايا من أهل البيت الى كربلاء حيث قبر الامام الحسين ( عليه السلام ) ، لذا ينبغي التحزّن لهذه المصائب ، وتقديم فروض التعازي ، واظهار المواساة الحقة ، ولكن هذا غير النحوسة المدعاة كما هو واضح
فالخلاصة : لا دليل على النحوسة المدعاة ولعلّه لأجل دفع هذه الشبهة لدى الناس اطلق علماؤنا الاعلام على هذا الشهر : صفر الخير
فائدة :
---------
1 اعتقد أنَّ التشاؤم لا يعدو عن كونه أمراً نفسانياً لا أثر له في الواقع ، فإذا أصاب الإنسان منه شيء ، فليدفعه بالتوكل ، والاعتصام بالله عزَّ وجلَّ ، والدعاء ، والصدقة ، وهذا موافق لما ورد عن اهل البيت ( عليهم السلام ) ، وهو ما أثبته الطب الحديث وعلماء النفس والاجتماع .
2 بدلاً من هذا التشاؤم والتطيّر لماذا لا نفهم من هذا الشهر تجديد العلاقة بالله تعالى ، وتصفية النفس أمامه والتوبة الحقَّة في ساحته فنصفِّر العدّاد او نفرمته كما يعبِّرون ، ونبدأ من جديد بخطى ثابتة مع الله تعالى لنرفع من مستوى الحسنات والطاعات والقُربات ، فيرفرف علينا الخطاب الالهي
(( فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ )) ص : 25