في مدرسة النبوة عطاء وانجازات

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1042
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
في مدرسة النبوة      عطاء وانجازات

بقلم :الشيخ عمار الشتيلي

************

من المناهج التي طرحها القرآن الكريم لتوجيه الناس نحو القيم الفاضلة والمبادىء الحقة ، لإجل بناء المجتمع الفاضل ؛ هو طرح القدوة الصالحة والاسوة الحسنة مثالا عمليا للمخاطبين والمكلفين في شتى جوانب الحياة ؛ السياسية والأخلاقية والروحية والاجتماعية والتربوية وغيرها .

 

ونحن في يوم الثامن والعشرين من شهر صفر نقف في رحاب مدرسة سيد قدوات البشر على اختلاف مستوياتهم على الإطلاق ، وهو نبينا محمد صلى الله عليه واله ، وهو الصادق المصدق ، والأمين المؤتمن ، والبشير النذير ، والسراج بأخلاقه ، و المنير بفضائله الذي قدمه القرآن الكريم قدوة واسوة في العطاء والفداء والانجازات والتضحيات في سبيل الله ومن اجل بناء دولة الاسلام و المجتمع الصالح و الانسان الصالح المتحضر الإيجابي في كل تفاعلاته الإنسانية والاجتماعية. 

قال تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ). الاحزاب : ٢١

 

وهنا نمر ببعض إنجازاته العظيمة على مستوى الانسان والمجتمع : 

 

اولا : بناء المجتمع

 تحرك النبي صلى الله عليه وآله لبناء المجتمع ، واعادة صياغة شخصيته الفكرية والاجتماعية والعقائدية منطلقا من منظومة معرفية متكاملة سماوية التقنين ، استوعبت كل جوانب الفكر والعقيدة والاجتماع والسياسة والسلوك .

( قال تعالى : هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) الجمعة : ٢ . 

فصنع حضارة شامخة بهمته العالية وقلبه الصبور من وسط بيئة خشنة غلظه .

فبث من روحه المعطاء نبض الحياة في جسد الجزيرة العربية .

( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين )الأنبياء : ١٠٧ .

قالت مولاتنا الزهراء ع في خطبتها الكبرى :

( وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان .. فانقذكم الله بابي محمد بعد اللتياوالتي )

 

تستوقفنا هنا امور في صناعة ونجاح الشخصية القيادية :

(الهمة العالية، الصبر ،سعة الصدر، روح المبادرة ، التخطيط ،ستراتيجية العمل ، وضوح الهدف ).

*******************************

 

 ثانيا : ارساء قواعد السلوك الاجتماعي

أرسى صلوات الله وسلامه عليه قواعد بناء السلوك الاجتماعي المتزن بين افراد المجتمع ، فقدم انموذجا للانسان المتحضر الذي يتفاعل ايجابيا مع الحياة رغم صعوباتها ومنعطفاتها وتجاذباتها الكثيرة ،

ويؤثر ايجابيا بشخصيته الناجحة في المحيط الاجتماعي رغم اختلاف الامزجة والقناعات والاهواء.

( قال تعالى : لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )التوبة : ١٢٨ .

 

تستوقفنا هنا امور :

من صفات الشخصية الناجحة انها تكون :

1 . فاعلة في دورها .

2 . مؤثرة في محيطها .

3 . ناجحة في رسالتها .

*******************************

 

 ثالثا : التاصيل لسيادة القانون العادل

 اقام صلى الله عليه وآله دولة مثلت أنموذجا متحضرا لسيادة القانون العادل ، ونظام العدالة الاجتماعية ، وحرية التعبير عن الرأي، واحترام الانسان وضمان حقوقه ، وصيانة كرامة المواطن ، ونزاهة المسؤول ، وانسانية الدستور ، ورحمة الحاكم .

( قال تعالى : وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم ) المائدة : ٤٩.

 

يستوقفنا هنا امر :

ان النبي صلى الله عليه واله وظف روح الشريعة ودستورها المقنن من أجل الانسان في بناء دولة الانسان وتشييد اركانها .

وهذا يعزز عند الانسان المؤمن ثقافة الاختيار للقانون الافضل في إدارة بلده واستثمار خيراته ، وللشخص المفضل الكفوء في تطبيق هذا القانون في سياسة العباد وادارة البلاد .

*'**************************

 

 رابعا : تاسيس مبدأ الحوار

اسس رجل الحوار الاول في الإسلام نبينا الخاتم صلى الله عليه وآله لقواعد الحوار البناء الناجح عمليا كوسيلة لإيصال الفكرة ، والترويج للمعتقد الحق ، والدعوة للمبادئ والقيم السامية . 

فكان حكيما دقيقا محاورا في خطاباته لمن حوله من الناس ، مقنعا جذابا في رسائله للشعوب والقبائل والشخصيات والملوك .

داعيا الى قيم السماء ، واصول الفكر الإسلامي بروح المحاور المتخصص المملوء معرفة وهدوءا واتزانا ، في اساليب حوارية مثلت ارقى سبل الحوار الفكري من اجل الهداية وطرح الرأى على الاخر .

( قال تعالى : قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة ومن اتبعني ) يوسف : ١٠٨ .

 

تستوقفنا ومضة هنا :

عندما نريد ان نوصل افكارنا للاخر سواء المذهبي او الديني او غير الديني علينا ان نمتلك روحية عالية مستقاة من هذه الصفات والسمات .

 

(قال تعالى : ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل : ١٢٥.

************************************

 

خامسا : تهيأت البديل لادامة المشروع

سعى جاهدا بابي هو وأمي لتربية البديل ، وتهيات القيادة الناجحة التي ستكمل من بعده مسيرة الإسلام في ادارة شؤون الدولة ، ونظم امور الأمة ، وصيانة عقائدها وقيمها ، والأخذ بزمامها الى سبيل لا يكلم خشاشه ولا يتعتع راكبه .

( قال تعالى: يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم ) النساء : ٥٩

تستوقفنا امور هنا :

1. الاختيار الناجح لادارة المؤسسات .

2 . تقديم الكفاءة واحترام دورها. 

3 . العمل المؤسساتي الفاعل القائم على توفير البدائل الناجحة دائما لادامة حركية العمل ،والمحافظة على فاعلية المؤسسة ، ودوام عطائها .

********************************

 

سادسا : طرح مبدأ الترجيح بين الخيارات  

من أعظم الفرص التي منحها الله تعالى للإنسان ، أنه حر الاختيار بين هذا المسار أو ذاك ، و بهذه الحرية أعطي القدرة على التمييز بين الامر السقيم والمستقيم ، والموقف الصالح ونقيضه ، فالانسان لم يدخل مضمار الحياة وهو أعمى أو جاهل ، بل دخل وهو ازاء قضايا واضحة وأفكار بينة ، وفي ضوئها يختار الانسان المواقف التي تصطف الى جانب الخير ، وهناك من يختار العكس بإرادته، حيث يضعف ازاء نفسه ، فينقاد الى تحقيق رغبات النفس والاستجابة إلى اهوائها ، فيهبط وينحدر ليكون مساويا (للحيوان) في غاياته ومآربه.

ولكن الله تعالى اودع في الانسان فوارق (ذهبية) تجعل الانسان اكبر واقوى من الحيوان، فلا يصح أن نساوي بين الانسان والحيوان في القدرات والخيارات، وخاصة الفكرية منها، لذا لابد للانسان أن يحتكم الى العقائد والاخلاقيات والقيم التي تقوده نحو مواقف داعمة لتشذيب الحياة من الاخطاء وليس العكس. 

قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان : ٣.

قال تعالى : (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) البلد : ١٠ .

 

والإنسان في خضم هذه الحياة تعترض مسيرته كثيرا من المواقف وفي مختلف المجالات ، كل موقف يتطلب منه أن يتخذ قراراً بشأنه ، لكي يضبط سلوكه ، ويوجه جهوده نحو تحقيق الهدف الذي يتوافق مع القرار الذي سوف يتخذه.

 

والإنسان أمام طريقين وهو يرجح بين الخيارات التي تطرح أمامه :

الأول: التأمل ومدارسة الموضوع ، والتفكير في الخيارات ، والموازنة بين الايجابيات والسلبيات لذلك الموضوع ، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب إما بالإقدام أو الإحجام، اما التبني أو الرفض ، اما المؤازرة أو التخلي ، وان كان هناك تردد في بعض الوقت. 

 

الثاني : عدم التأمل بدقة ، وانعدام الرؤية الواضحة للموضوع ، ، و التشويش بين الخيارات ، وصعوبة تصويب المرجحات ، وهذا يؤدي إلى العجز وعدم الاستطاعة في اتخاذ القرار المناسب .

 

من معايير اتخاذ القرار الصحيح : 

١. القيمة الحقيقية هو الله سبحانه وتعالى

الإنسان المؤمن معياره في ترجيح الخيارات المطروحة ازاءه دائما وابدا في هو الله تعالى وطاعته ودينه ، سواء في السياسة أو القضاء او الإدارة أو المال آو العمل أو الاجتماع أو العلم وغير ذلك من مجالات الحياة ، وهذه القيمة في حياة الإنسان المؤمن واضحة وبعيدة كل البعد عن الأهواء والشهوات والرغبات والميولات والمصالح الفردية والجهوية التي تسيّر الانسان يمينا وشمالا.

 

٢. التدبر والتأمل في العاقبة 

ان اتخاذ أي قرار من قبل الإنسان ، وترجيحه باعتباره الأمثل بين ما هو مطروح، لابد أن يرى نهاية الطريق له، والى أين ينتهي به، وما هي النتائج المتحتمة عليه، وما عاقبته ، أي وجود نظرة بعيدة المدى لما سيترتب على هذا القرار .

 

وقد كان خاتم الرسل صلى الله عليه وآله وهي يتصدى باقتدار للمسؤولية الكبرى بتبليغ الرسالة الإسلامية ، ورغم كل الظروف الخطيرة التي كانت تحيط بها ، والتي تستجد كل ساعة ، وتتعاظم بين حين وآخر ، وتهيمن بتداعياتها النفسية والإعلامية والاجتماعية والسياسية الحرجة والصعبة والمعقدة ، وغير المألوفة ، كان _ ورغم كل ماتقدمَ _ يعطينا درسا مهما عندما نقرأ تاريخ النبوة ، انه كان موفقا ومسددا دائما ، وبحكمة عالية للترجيح بين الخيارات المطروحة ، و إتخاذ القرار المناسب ، وبشكل صحيح وسليم زمانا ومكانا في أحلك خنادق الصراع القيمي والمبدئي في السلم والسياسة والحرب منذ فجر الرسالة حتى وفاته صلى الله عليه وآله .

وبنظرة إلى ما قاله عليه وآله أفضل الصلاة والسلام :

( لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ).

 

يتضح أن هكذا قرارات مصيرية تخص الرسالة، ومستقبل الإسلام، وحياة المسلمين الأوائل وهم بين اضراس الأعداء، يكون عنوانها الله تعالى، ودين الله، ورسالة الإسلام، ومسؤولية خط التوحيد من جهة ، و أنها تخضع للتأمل والتدبر والدراسة للعواقب قبل اتخاذها التصريح بها من جهة أخرى. 

 

وهنا يعطينا نبينا صلى الله عليه وآله درسا عظيما في اتجاهين : 

الأول : أن قيمة القرار سواء الفردي أو الجماعي أو المصيري، ونجاحه هو ارتباطه بالله تعالى.

الثاني : يجب التاني والتدبر في اتخاذ القرارات ، ودراسة عواقبها، وفي كل المجالات ، بدءا بالقرار داخل الأسرة، مرورا بالقرار داخل العشيرة والمؤسسة، وانتهاء بالقرار السياسي الذي فيه حفظ الدماء والكرامة والعزة ، وصيانة الأعراض والمقدسات والثوابت.

 

قال تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)

الفتح : ٢٩

( قال تعالى : وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم ) المائدة 49.

يستوقفنا هنا امر :

ان النبي صلى الله عليه واله وظف روح الشريعة ودستورها المقنن من أجل الانسان في بناء دولة الانسان وتشييد اركانها .

وهذا يعزز عند الانسان المؤمن ثقافة الاختيار للقانون الافضل في إدارة بلده واستثمار خيراته ، وللشخص المفضل الكفوء في تطبيق هذا القانون في سياسة العباد وادارة البلاد .

 

والحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

 

_________

الشيخ عمار الشتيلي

النجف الاشرف

٢٨ صفر ١٤٤٣ هج

Powered by Vivvo CMS v4.7