الترابط بين فعل الانسان والنظام الكوني العواصف الترابية إنموذجاً
بقلم الشيخ يقظان الخُزاعي
لربما سائل يسأل فيقول لماذا يتوجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى فيما إذا حصلت معصية وعمل منكر خارج دائرة المكان الذي نعيش فيه وقد لا يصل صوتنا الى من فعل المنكر بعينه؟
•أنواع الذنوب وآثارها
لابد أولاً أن نعرف أن الذنوب على نوعين منها الخاص الشخصي والعام الاجتماعي وكلامنا في النوع الثاني منها الذنوب ذات البعد الاجتماعي والتي يقوم بها العاصي بصورة علنية واضحة للعيان والتي فيها أثر دنيوي بالإضافة الى اثرها الاخروي وهذه الذنوب لها آثار سلبية على المجتمع فقد ورد عن الامام الرضا عليه السلام انه قال: ( كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون ) (١)
فهناك علاقة تكوينية بين المعاصي وبين البلاءات التي تصيب العباد والبلاد
كما يمكن الاستفادة من هذه الرواية بقرينة المقابلة في الأثر فالعكس صحيح أيضاً وانه كلما أحدث العباد طاعات جديدة أحدث الله لهم نِعم وخيرات جديدة وقد ذكر القران هذه النِعم المترتبة على الطاعات في قوله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } (٢)
وفي الرواية عن الفضيل ابن يسار عن الإمام الصادق (عليه السلام) : من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال.(٣)
هذا واحد من الاثار للذنوب وهناك غيرها الكثير من الروايات التي لا مجال لذكرها
•ماذا لو تركنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ومن زاوية ثانية فيما لو أعرضنا عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وعطلنا هذه الفريضة الإلهية المباركة فأن البلاء سيعم وحينها يؤخذ الساكت بجريرة العاصي كما حصل في الاقوام السابقة والأمم الماضية وقد قصّ علينا القران وتراث أهل البيت عليهم السلام كيف عم البلاء لتلك الأمم ومنها:
إن الله عز وجل أوحى إلى شعيب النبي أني معذب من قومك مئة الف أربعين ألفا من شرارهم، وستين ألفا من خيارهم فقال (ع) يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار فأوحى الله إليه أنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.(٤)
وها هو موسى الكليم عليه السلام يخشى من شموله بالعذاب رغم انه لم يقترف ذنباً حاشاه
{ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا } (٥)
حتى ان التيه الذي أصاب قوم موسى عليه السلام شمل الجميع ولم يفرق بين المؤمنين والمخالفين لموسى عليه السلام قال تعالى: ( قَالوا يَا موسَى إنَّا لَن نَدخلَهَا أَبَداً مَا دَاموا فيهَا فاذهَب أَنتَ وَرَبّكَ فقَاتلا إنَّا هَاهنَا قَاعدونَ قال ربّ اني لا املك إلا نفسي واخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قَالَ َإنَّهَا محَرَّمَةٌ عَلَيهم أَربَعينَ سَنَةً يَتيهونَ في الأَرض فلا تَأسَ عَلَى القَوم الَفاسقين ) (٦)
كما اننا لو ادّينا تلك الفريضة المباركة فسوف نحصل على اثار كثيرة منها عدم شمول المؤمنين بالبلاء فقد قال تعالى:{ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } (٧)
وقال تعال: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ َلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }(٨)
فتغيير المنكر ورفضه في القلب له آثر وفائدة فان الله تبارك وتعالى ينظر الى قلب الانسان المؤمن والى جوارحه فقلب الانسان هو الركيزة الأساسية لرفض الباطل وقبول الطاعة ولذلك كان الذنوب القلبية أشد أثراً على الانسان من الذنوب الجوارحية فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : القصد إلى الله بالقلوب أبلغ من القصد إليه بالبدن، وحركات القلوب أبلغ من حركات الأعمال.(٩)
نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
يقظان الخزاعي
الخميس ٣/ شوال
————
(١) - ميزان الحكمة، الريشهري، ج٣، ص٩٩٥
(٢)- سورة نوح، (١٠-١١)
(٣)- الامالي، الطوسي، ص٧٠١
(٤)- الدرر السنية، الحر العاملي، ص٣٠
(٥)- سورة الاعراف، ١٥٥
(٦)- سورة المائدة ( ٢٥-٢٦)
(٧)- سورة هود ٩٤
(٨)- سورة الاعراف ١٦٤
(٩)- مشكاة الانوار، ص٢٠٦