دروس رسالية من حركة الامام الجواد عليه السلام
بقلم: الشيخ محمد الجوراني
اولا : اثبات الهوية الاسلامية في خضم معركة إثبات الهوية ، والالتزام بقيمها الأخلاقية ، نكون بحاجة دائمة إلى إبراز حياة القدوات والرموز المبدئية وهم ال محمد عليهم الصلاة والسلام ،لأن هذا يؤكد في نفوس أبناء الأمة ثقتهم بدينهم ويصون هويتهم ، في ظل العولمة الثقافية التي تريد إلغاء هويات الأمم ، وتذويب ثقافاتها في بوتقة الثقافة الغربية المادية.
فلقد ساهم الامام طيلة فترة امامته التي دامت نحو سبعة عشر عاما في أعناء مدرسة أهل البيت العلمية وحفظ تراثها والتي امتازت في تلك المرحلة بالاعتماد علی النص والرواية عن رسول الله صلی الله عليه واله وسلم وعلی الفهم والاستنباط من الکتاب والسنة بالاضافة إلی اهتمامها بالعلوم والمعارف العقلية التي ساهم الائمة وتلامذتهم في انمائها واغنائها وتوسيع مداراتها حتی غدت صرحا شامخا وحصنا منيعا للفکر الاسلامي وللشريعة الاسلامية, والتبحر في أبوابها بأسلوب الحوار العلمي ، رغم صغر سنه ، وما أعد له من مكائد ، وما احيط به ظلم.
ثانيا : دفاعه عن الفقه الاصيل الذي يستند الى القران والنبي دون الاجتهادات والقياسات
المقياس لقدر الإنسان ومنزلته هو علمه وادبه ، ولا تُعرف قيمته بسنه ،بل بكفاءته وعطائه وانجازاته، فالتاريخ يذكر أن العباسيين عقدوا مجلساً بمحضر المأمون لامتحان علم الامام ، وجاؤوا بقاضي القضاة وهو (يحيى بن أكثم) ليمتحنه وأعدت له أسئلة علمية عميقة وصعبة غايتها احراج الامام وكونه غير جدير بمنصب ولا مكانة ، وبالتالي ضعف المذهب الذي يستند أهله على علميته ، وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى انكسار كبير في مقام القيادة الإسلامية ، وتشكيك في اهليتها ، وزعزعة الثقة بينها وبين جمهورها ,لكن الإمام ادهش الكبير والصغير ممن حضر واستمع وارخ بعد ذلك,ويمكن قراءة بعض المسائل التي طرحت على الإمام في بعض المصادر كالإرشاد ، المفيد ، ج٢ ،ص٢٨٥,
ثالثا : التضحية هو اول شيء يفكر به المدافع عن الشريعة
فالعجيب ان ابا دؤود بعد حادثة ( يحيى بن اكثم ) اخذ يوسوس للمعتصم كيف اخترت مراد الاحكام من الجواد وتركت بطانتك واهل القضاء فيها وفضلت ابن الرضا على قاضي القضاة وهذا يعني انك اعطيت الشرعية له على حكمك وسلطانك وهنا بدا المعتصم يفكر جديا بقتل الامام والتخلص منه كما حصل في الحادثة المعروفة وهنا نقف على درس عظيم من هذه الحادثة هو الدفاع عن الشريعة والحق من اهلها والحفاظ على هويتها الاسلامية وعدم اعطاء فرصة للانتهازيين والمرجفين للنيل من هذا الدين الحنيف المتمثل بمحمد وال محمد وها هو الجواد ذهب ضحية دفاعه وابرازه لحكم شرعي صحيح يستند الى القران والرسول واليهم دون اجتهادات اهل البدع والضلال !!
رابعا : قيادته الناجحة وتصديه للقيادات المزيفة
حيث شهد عصر الامام انشاراً واسعاً للإسلام ودخول مختلف الثقافات والمذاهب والأديان وانتشارها بين المجتمع الإسلامي وظهور حركات وقيادات في نفس الدائرة الاسلامية تدعي الحق وهي ليست منه ؟!
وهذا ما جسّده الامام وهو متصد للقيادة ، في وجوه متعدده منها :
مراقبته الحثيثة للمحيطين به، فلم يكن جميعهم ممن يحمل الإيمان الحقيقي الذي يطمأن إليه ، إنما كان بعضهم ممن يعيش الشخصية المزدوجة، حيث يظهر بمظهر خارجي يتلاءم مع الجو العام المحيط به ، لكنه يستبطن وجها آخرا .
ومن هؤلاء من كان يدعى بالخطاب ، و هو ( محمد بن أبي زينب مقلاص الاَسدي الكوفي الاَجدع ) ، وكان في بادئ أمره من أصحاب الاِمام الصادق عليه السلام ، ثم انحرف عنه بل وعن الدين ، فأخذ ينسب أباطيله وعقائده الفاسدة إلى الاِمام الصادق عليه السلام كذباً وزوراً ، وتبعه عدد من المضلّلين والنفعيين حتى شكّلوا فرقة سمّيت فيما بعد بـ "الخطّابية" .
خامسا : موقفه الحازم من المتقمصين للدين وقيادة الناس
لم يسكت الإمام عن هذا الخط الضال المتنامي في جسد المجتمع ، ولم يغفل عن تحركاته المشبوهه فقد روى عنه أنه قال : وقد ذُكر عنده أبو الخطاب ( لعن الله أبا الخطّاب ، ولعن أصحابه ، ولعن الشاكّين في لعنه ، ولعن من وقف فيه ، وشك فيه ..
ثم قال : هذا أبو الغمرو وجعفر بن واقد وهاشم بن أبي هاشم استأكلوا بنا الناس فصاروا دعاة يدعون الناس إلى ما دعا إليه أبو الخطاب لعنه الله ولعنهم معه ولعن من قبل ذلك منهم، يا علي لا تتحرجن من لعنهم لعنهم الله فإن الله قد لعنهم، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يأجم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله ) بحار الأنوار ، المجلسي، ج ٢٥، ص ٣١٩
وكذلك موقفه الحازم من الواقفية وغيرها ، وتجسدت مواقفه في نهيه عن التعامل مع الفطحية والواقفة ولم يجوّز الصلاة خلف وكذلك الزيدية التي تقول بإمامة زيد الشهيد من بعد الإمام السجاد عليه السلام وقد تصدى للفرقة المجسمة التي كانت تستدل بآيات مثل: «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» و«الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» لإثبات أن لله جسم تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وأمر الشيعة بعدم الصلاة خلفهم وعدم دفع الزكاة إليهم وغيرها وهذا يدل على وجوب التصدي للفكر المنحرف عن منهج اهل البيت وتعريه رموزه في المجتمع كي لا يكون ظاهرة مخلة بالمجتمع الاسلامي