حقيقة البداء عند الإمامية
حقيقة البداء عند الإمامية
وبذلك يظهر أن المراد من البداء الوارد في أحاديث الإمامية ويعد من العقائد الدينية عندهم ليس معناه اللغوي، أفهل يصح أن ينسب إلى عاقل - فضلا عن باقر العلوم وصادق الأمة - القول بأن الله لم يعبد ولم يعظم إلا بالقول بظهور الحقائق له بعد خفائها عنه، والعلم بعد الجهل؟!
كلا، كل ذلك يؤيد أن المراد من البداء في كلمات هؤلاء العظام غير ما يفهمه المعترضون، بل مرادهم من البداء ليس إلا أن الإنسان قادر على تغيير مصيره بالأعمال الصالحة والطالحة (٥) وأن لله سبحانه تقديرا مشترطا موقوفا، وتقديرا مطلقا، والإنسان إنما يتمكن من التأثير في التقدير المشترط، وهذا بعينه قدر إلهي، والله سبحانه عالم في الأزل، بكلا القسمين كما هو عالم بوقوع الشرط، أعني: الأعمال الإنسانية المؤثرة في تغيير مصيره وعدم وقوعه.
قال الشيخ المفيد (المتوفى / ٤١٣ ه): قد يكون الشئ مكتوبا بشرط فيتغير الحال فيه، قال الله تعالى:
(ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده). (٦)
فتبين أن الآجال على ضربين، وضرب منهما مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان، ألا ترى قوله تعالى:
(وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب). (٧)
وقوله تعالى:
(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض).
فبين أن آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبر والانقطاع عن الفسوق، وقال تعالى فيما أخبر به عن نوح (عليه السلام) في خطابه لقومه:
(استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا...). فاشترط لهم في مد الأجل وسبوغ النعم الاستغفار، فلو لم يفعلوا قطع آجالهم وبتر أعمالهم واستأصلهم بالعذاب، فالبداء من الله تعالى يختص بما كان مشترطا في التقدير وليس هو انتقال من عزيمة إلى عزيمة، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا.