النزاع لفظي
النزاع لفظي
مما تقدم يظهر أن حقيقة البداء - وهي تغيير مصير الإنسان بالأعمال الصالحة والطالحة - مما لا مناص لكل مسلم من الاعتقاد به وإلى هذا أشار الشيخ الصدوق بقوله:
" فمن أقر لله عز وجل بأن له أن يفعل ما يشاء، ويعدم ما يشاء، ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويأمر بما شاء كيف شاء، فقد أقر بالبداء، وما عظم الله عز وجل بشئ أفضل من الإقرار بأن له الخلق والأمر والتقديم والتأخير وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان ". فالنزاع في الحقيقة ليس إلا في التسمية، ولو عرف المخالف أن تسمية فعل الله سبحانه بالبداء من باب المجاز والتوسع لما شهر سيوف النقد عليهم، وإن أبى حتى الإطلاق التجوزي، فعليه أن يتبع النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أطلق لفظ البداء عليه سبحانه بهذا المعنى المجازي الذي قلنا، في حديث الأقرع والأبرص والأعمى، روى أبو هريرة أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:
" إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، بدا لله عز وجل أن يبتليهم ".
فبأي وجه فسر كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) يفسر كلام أوصيائه.
فاتضح بذلك أن التسمية من باب المشاكلة، وأنه سبحانه يعبر عن فعل نفسه في مجالات كثيرة بما يعبر به الناس عن فعل أنفسهم لأجل المشاكلة الظاهرية، فترى القرآن ينسب إلى الله تعالى " المكر والكيد " و " الخديعة " و " النسيان " و " الأسف " إذ يقول: (يكيدون كيدا * وأكيد كيدا).
(ومكروا مكرا ومكرنا مكرا).
(إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم).
(نسوا الله فنسيهم).
(فلما آسفونا انتقمنا منهم).
إلى غير ذلك من الآيات والموارد.
وبذلك تقف على أن ما ذكره الأشعري في " مقالات الإسلاميين "، والبلغمي في تفسيره، والرازي في المحصل، وغيرهم حول البداء، لا صلة له بعقيدة الشيعة فيه، فإنهم فسروا البداء لله بظهور ما خفي عليه، والشيعة براء منه، بل البداء عندهم كما عرفت تغيير التقدير المشترط من الله تعالى، بالفعل الصالح والطالح، فلو كان هناك ظهور بعد الخفاء فهو بالنسبة إلينا لا بالنسبة إلى الله تعالى، بل هو بالنسبة إليه إبداء ما خفي وإظهاره، ولو أطلق عليه البداء من باب التوسع.