الصلوات وليلة المعراج
الصلوات وليلة المعراج
أَثارَ الفادي المفترِي اعتراضَه على فرضِ الصلواتِ الخمس ليلةَ
المعراج، وعَرَضَ الحادثةَ بتحريفٍ وتَغييرٍ وتَبديل!.
قال: " قالَ علماءُ المسلمين: لما أَسرى اللهُ بمحمد، ورأى حورَ العين،
وسَلَّمَ عليهنَّ، وقابَلَ موسى، سأَلَه موسى: ما فَرَضَ ربُّكَ عليك؟
وقيل: إِنَّه سأَلَه: بمَ أُمِرْتَ؟
قال: خمسينَ صلاة، قال: ارجعْ إِلى رَبِّك فاسْأَلْه التخفيفَ.
وفي البخاري: إِنَّ أُمَّتَك لا تَستطيعُ خمسينَ صلاةً كُلَّ يَوْم، وإِنّي واللهِ جَرَّبْتُ
الناسَ قَبْلَك، وعالَجْتُ بني إِسرائيل أَشَدَّ المعالَجَة.
أَيْ: إِنَّه فُرِضَ عليهم صلاتان، فما قاموا بهما، رَكْعَتان بالغَداة، ورَكْعتان بالعشِيِّ!
وفي تفسير البيضاوي أنه فُرِضَ عليهم خمسونَ صلاة، غيرَ أَنَّ السيوطي قال: إِنَّ هذا باطل ...
ثم قالَ موسى: ارجعْ إِلى رَبِّكَ فاسْأَله التخفيفَ لأُمَّتِك.
قال: فرجعْتُ إِلى رَبّي، فقلت: يا رَبِّ خَفِّفْ عن أُمتي.
فحَطَّ عَنّي خَمْساً. فرجَعْتُ إِلى موسى، فقلْتُ: حَطّ عنّي خَمْساً.
قال: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تُطيقُ ذلك، فارجِعْ إِلى رَبِّك فاسْأَلْه التَّخْفيف..
قال: فلم أَزَلْ أَرجع بينَ ربّي وبين موسى، حتى قال الله: يا محمد! إنهنَ خمسُ صَلَواثٍ في كُلِّ يومٍ وليلة، لكلِّ صلاةٍ عَشْرٌ، فذلك خمسون.
قال: فنزلْتُ حَتى انتهيْتُ إِلى موسى فأَخَبرْتُه، فقال: ارجِعْ
إِلى رَبِّك فاسْأَلْه التخفيف.
قلتُ: قد رجعْتُ إِلى رَبّي حتى استحييتُ منه! ".
ولْنقرأ الحادثةَ من صحيحِ مسلم.
فقد روى مسلمٌ عن أَنَسِ بنِ مالك - رضي الله عنه -، عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنه حَدَّثَ عن ما جَرى في رحلةِ الإِسراءِ
والمعراج، ومن ذلك قوله: " ... فأَوحى اللهُ إِليَّ ما أَوحى، فَفَرَض عليَّ
خمسين صلاةً في كُلِّ يومٍ وليلة، فنزلتُ إِلى موسى عليه الصلاة والسلام،
فقال: ما فَرَضَ ربُّكَ على أُمَّتِك؟
قلتُ: خمسينَ صلاة.
قال: ارجعْ إِلى رَبِّك فاسْأَله التخفيف، فإِنّ أُمَّتَك لا يُطيقون ذلك، فإني قد بلوْتُ بني إِسرائيلَ وخَبَرْتُهم.
فرجعْتُ إِلى رَبّي، فقلْتُ: يا ربي! خَفَّفْ على أُمَّتي.
فَحَطَّ عَنّي خَمْساً.
فرجعْتُ إِلى موسى فقلت: حَطَّ عَنّي خَمْساً.
قال: إِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطيقونَ ذلك، فارْجِعْ إِلى رَبك، فاسْأَلْهُ التخفيف.
فلم أَزَلْ أَرجعُ بينَ ربّي تَبارك وتَعالى وبينَ موسى - عليه السلام -، حتى قال: يا محمد، إِنهنَّ خمسُ صلواتٍ كُلَّ يومٍ وليلة، لكلِّ صلاةٍ عَشْر، فذلك خَمسونَ صلاة.
ومَنْ هَمَّ بحسنةٍ فلم يَعْمَلْها كُتبتْ له حَسَنَة، فإِنْ عَمِلَها كُتبتْ له عَشْراً، ومَنْ هَمَّ بسيئةٍ فلم يَعْمَلْها لم تُكْتَبْ شيئاً، فإنْ عَمِلَها كُتبتْ سيئةً واحدة.
فنزلْتُ حتى انتهيتُ إِلى موسى - عليه السلام - فأَخبرتُه.
فقال: ارْجِعْ إِلى ربّك فاسأَلْه التخفيف..
فقلْتُ: قد رجعْتُ إِلى رَبّي فاستحييتُ منه " .
وقد اعترضَ الفادي المفترِي على حادثةِ الصلواتِ الخمس، وأَثارَ
شُكوكَه حولَ الوحيِ والنبوةِ والإِسلام، قال: " ونحنُ نَسأل: هل الأَنبياءُ أَكثرُ معرفةً بأَحوالِ الناسِ من اللهِ سبحانه؟
وهل يتبعُ اللهُ رأيَ الناس؟
أَليس هذا كلُّه ناشئاً عن عدمِ معرفةِ محمدٍ بصفاتِ الله، وأَنَّ الصلاةَ أُنْسٌ بالله، وليستْ فرضاً ولا عبودية؟
والمسلمُ الذي يهتمُّ بالوضوءِ ونظافةِ البدنِ أَكثر من نظافةِ القلب
لا يُدرِكُ معنى الصلاة؟
لأَنه يهتمُّ بالاتجاهِ للقبلةِ أَكْثَرَ من اتجاهِ ضميرِه لله، ويتمسكُ بأَلفاظٍ محفوظةٍ دونَ الاهتمامِ بالتعبير عن حاجاتِه الخاصة، ويَعتبرُ أَنَّ الصلاةَ في ذاتِها حَسنةٌ تُذْهِبُ السيئة، ويَهتَمُّ بالنَحْرِ مع الصلاة، كقوله:
(فَصَل لِرَبِّكَ وَاَنحَر) ، دونما إِدراكٍ لمعنى كفارةِ المسيح؟! ".
إِنه لجهلِه وغبائِه لا يَعرفُ الحكمةَ من تشريعِ الصلواتِ الخمس بهذه
الطريقة، ولذلك أَثارَ أَسئلتَه التهكُّمية، وحَلَّلَ الحادثةَ تحليلاً استفزازياً، شَتَمَ
فيه الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - والإِسلامَ والمسلمين!.
كلُّ الأَوامرِ والنواهي والتكاليفِ الشرعية كَلَّفَ اللهُ بها رسولَه - صلى الله عليه وسلم - بطريقةِ الوحي، إِلّا الصلواتُ الخمس، فإنه شاءَ سبحانَه وتعالى أَنْ يكَلِّفَه بها بهذه الطريقةِ الخاصة، حيثُ استدعاهُ وعَرَجَ به إِلى السماء، وكَلَّفَه بها، وذلك لأَهميةِ الصلواتِ الخمس وعِظَمِ منزلتِها في هذا الدين، وعِظَمِ مهمَّتِها وآثارها في حياةِ المسلمين.
وشاءَ اللهُ العليمُ الحكيمُ أَنْ يكونَ التكليفُ بالصلواتِ الخمسِ على هذه
الصورةِ المتدرجةِ اللطيفة، ولو شاءَ أَنْ يُكَلِّفَه بخمسِ صَلَواتٍ من أَوَّلِ الأَمْرِ
لفَعَل، لكنَّه سبحانه وتعالى شاءَ أَنْ يُكلفَه بخمسينَ صلاةً أَولاً،.
وأَنْ يُسْقِط بَعْضاً من أَعدادِها كلَّما ذَهَبَ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - إِلى موسى - صلى الله عليه وسلم - ثم عادَ إِليه، حتى أَنزلَ أَعدادَها من خمسينَ إِلى خمس، مع إِبقائِهن في الأَجْرِ خمسين، أَيْ أَنهنَّ خمسٌ في العدد، وخَمسونَ في الأَجْر.
فَعَلَ اللهُ ذلك بالصلواتِ الخمس، ليمتَنَّ على المسلمين بذلك، ويُبَيِّنَ
لهم رحمتَه بهم، رحمتَه في تخفيضِهن من خمسينَ إِلى خمس، ورحمتَه في
إبقائِهنَّ على خمسينَ في الأَجرِ.
ولا نتصوَّرُ مقدارَ المشقةِ والحَرَج لو أَبْقاهُنَّ اللهُ خمسينَ صلاةً في اليوم!
فإِذا كانَ بعضُ المسلمين قد يَتَثاقَلُ عن الصلواتِ الخمس، فكيف لو كُنَّ خمسينَ صلاة؟!.
إِنَّ اللهَ الحكيمَ يتحببُ إِلى المسلمين، ويقدمُ لهم مظاهرَ من رحمتِه
ورأفتِه بهم، وذلك ليعرفوا فضلَه وكرمَه وإِنعامَه، ويتذوقوا مظاهرَ رحمتِه وبرِّه ومحبتِه، وبذلك يزدادونَ محبةً له، وذكراً وشكراً له، ونشاطاً وحيويةً في عبادتِه وطاعتِه ومناجاتِه.
وإنَّ الجاهلَ السفيهَ محجوبٌ عن هذه المعاني الروحية، لكفرِه وضَلاله،
ولذلك لم يَفهم الحكمةَ من فرضِ الصلواتِ الخمسِ بهذه الطريقةِ المحببة،
ومن ثم كَذَّبَ القرآنَ وكَذَّبَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأَثارَ أَسئلتَه الاستفزازية.
إِنَّ الجاهلَ الغبيَّ يسأَل: هل الأَنبياءُ أَكثرُ معرفةً بأَحوالِ الناسِ من الله؟
أَيْ: كيفَ يَفرضُ اللهُ خمسينَ صلاة، وموسى - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: إِنَّ الناسَ لا يتحملونَ ذلك؟
لأَنه جَرَّبَ بني إِسرائيل! ؟.
لم يَقُلْ مسلمٌ عاقلٌ: إِنَّ موسى - صلى الله عليه وسلم - أَعرفُ بأَحوالِ الناسِ من الله، فالله سبحانه وتعالى هو الأَعلم، وعِلْمُه شاملٌ
لكلِّ شيء، ولكنَّ اللهَ الحكيمَ شاءَ أَنْ يكونَ الإِنقاصُ في عددِ الصلواتِ بهذه
الطريقةِ التي حَلَّلْناها قبلَ قليل.
وكان الجاهلُ مجرماً عندما شتمَ نبيَّنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - في قوله: " أليس هذا كلُّه ناشئاً عن عدمِ معرفةِ محمدٍ بصفاتِ الله؟! ".
وإِذا كان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - لا يَعرفُ صفاتِ الله فمن الذي يعرِفُها؟!
هل هو هذا الجاهلُ الغبيُّ المتعالم؟!..
لقد كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعرفَ الناسِ بالله، وأَكثرَهم تقوى لله، وأَقربَ الناسِ إِلى الله.
ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا إِنّي أَتْقاكُم لله وأَخشاكُم له "!.
وكان المجرمُ ضالا بَذيئاً عندما شَتَمَ المسلمين، واتهمَهم في نياتِهم
وقلوبِهم وضمائِرِهم وإِخلاصِهم، وكأَنه مُطَّلِعٌ على ما في قلوبهم، ويَعلمُ ما في صدورِهم!!.
إِنَّ الإِسلامَ يَدْعو المسلمينَ إِلى الاهتمامِ بنظافةِ قلوبهم أَكثرَ من
اهتمامهم بنظافةِ أَبدانِهم، وإِنَّ الصلاةَ تزكيةٌ للنفس، وتطهيرٌ للقلب، وسُمُوُّ بالروح، وعندما يُطَهِّرُ المؤمنُ بَدَنَه، يُقبلُ على ربِّه في صلاته، ويَسعدُ بذكْرِه ومناجاتِه..
ويكونُ حاضرَ العقلِ والقلبِ وهو يُصَلّي ويدعو ربَّه..
وما إِنْ ينتهي من صلاته حتى يكونَ قد تزوَّدَ بالزادِ الإِيمانيِّ العظيم.
***