حكم الزواج بالكتابيات
حكم الزواج بالكتابيات
أَباحَ اللهُ للمسلمينَ الزواجَ بالكتابيات، قال تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) .
وعَلَّقَ الفادي على هذا بقولِه: " يُجيزُ القرآنُ للمسلمينَ أَنْ يَتَزَوَّجوا
المسيحيات..
بينما يُحَرِّمُ الإِنجيلُ تَحريماً باتّاً زواجَ المسيحياتِ بغيرِ المسيحيّين، ويقول: " فهي حُرَّةٌ لكي تتزوج بمَنْ تُريُد، في الرَّبِّ فقط "..
وهذا إِعلانٌ قرآنيّ باحترامِ الإِيمانِ المسيحيّ، لأَنَّ الزوجةَ المسيحية سَتُرَبّي أَولاد الزوج المسلم ".
زَعَم الفادي أَنَّ الإِنجيلَ حَرَّمَ زواجَ النصرانيةِ منَ غيرِ النصراني، فكيفَ
تُوافقُ النصرانيةُ على الزواجِ من المسلم؟
إِنها بذلك تُخالفُ أَحكامَ دينِها، فما رأيُ الفادي في هذه المخالفة؟
ولماذا يُجيزُ - وهو القِسّيسُ - للنصرانياتِ الزواجَ من المسلمين؟
إنه يَعْتَبِرُ إِباحةَ زواجِ المسلم بالكِتابِيَّةِ إِعْلاناً قرآنياً باحترامِ الإِيمانِ المسيحي، وتفويضَ المرأَةِ النصرانيةِ بتربيةِ أَولادِ زوجهما المسلمَ.
لقد أباحَ القرآنُ للمسلمِ الزواجَ بالكتابية، لأَنها تؤمنُ بالتوراةِ أَو
الإِنجيل، وهما كتابان من كتبِ الله، صحيحٌ أَنّ اليهود والنَّصارى حَرَّفوهما
بعدَ ذلك، لكنَّ أَصْلَهما من عندِ الله، فهو يتعامَلُ معهما على هذا الأَساس.
ولا يَعني إِباحةُ الزواجِ من الكتابيةِ الاعترافَ بأَنها مؤمنةٌ مُوَحِّدَة، بل هي
كافرة؛ لأَنّ مَنْ لم يكنْ مسلماً فهو كافرٌ بنصِّ القرآن.
قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) .
ونُقَرِّرُ أَنَّ القرآنَ لم يُبحِ الزواجَ بالنصرانيةِ فقط، وإِنما أَباحَ الزواجَ
باليهوديةِ والنصرانيةِ، لأنهما كتابيَّتانَ، والزواجُ بهما مُباحٌ، وليس واجباً أَو
مندوباً أَو سُنَّةً مُتَّبَعَة، والأَوْلى والأَفْضَلُ أَنْ لا يكون، لكنه مُباحٌ لمن أَراده.
وهو ليس مباحاً مُطْلَقاً، إِنما هو مباحٌ بشرطِ أَنْ تكونَ الكتابيةُ مُحْصَنَة
لقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) .
والمرادُ بالإِحصانِ هنا العفةُ وإِحصانُ الفَرْج، وعدمُ ارتكابِ فاحشةِ الزنى،
ولا بُدَّ للمسلمينَ الراغبينَ في الزواجِ من الكتابياتِ من أَنْ يكونوا مُحْصنين
عَفيفين، غيرَ زناةٍ مسافحين ولا متخذي أَخْدان.
والخلاصَةُ أَنَّ الزواجَ بالكتابياتِ اليهودياتِ والنصرانيات مُباحٌ إِباحة، مع
أَنَّ الأَولى أَنْ لا يكون، وهو مباحٌ بشرْطِ الإِحْصانِ في الطرفين، الإحصانُ
في الرجلِ المسلمِ وعدمُ زِناهُ، والإِحصانُ في المرأةِ الكتابيةِ وعَدَمُ زناها..
وفَتِّشْ عن امرأةٍ كتابيةٍ غربيةٍ محصَنَة غَيرَ زانيةٍ في هذا الزمان!.
الفصل السابع نقض المطاعن الاجتماعية
لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟
اعترضَ الفادي الجاهلُ على تفريقِ القرآنِ بينَ الرجلِ والمرأةِ في الشهادة،
حيثُ جعلَ شهادةَ المرأةِ على النصفِ من شهادةِ الرجل، وذلك في قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) .
الموضوعُ الذي تأمُرُ الآيةُ بالإِشهادِ عليه هو الدَّيْن، وهو موضوغ ماليّ
تفصيليّ إِجرائي، يقومُ على المعاملاتِ بينَ الناس، ومعلومٌ أَنَّ هذه التفاصيلَ
الدقيقة تَعْني الرجال غالباً وتَستهويهم، أَمّا النساء فإِنهنَّ لا يَنتبهنَ لها غالِباً،
لأنها لا تتفقُ مع ميولِهنَّ.
وإِذا طُلِبَ من المرأةِ أَنْ تَنْتَبِهَ لهذه التفصيلات وتخفظَها فإِنَّها لا تَضبطُ ذلك، وإِنْ طُلِبَ منها أَنْ تَذكرَ تلك التفصيلاتِ بعدَ فترةٍ فإِنها لا تُحسنُ أَداءَ ذلك.
فإذا جُعلت المرأةُ شاهدةً على تلك التفصيلاتِ المالية، وطُلبَ منها أَداءُ
الشهادة، فإِنها غالِباً لا تَستحضرُ تلك التفصيلات، وبذلك لا تُؤَدِّي الشهادةَ على أُصولِها، وبذلك قد يَضيعُ الحَقُّ على صاحبِه!!.
وإِنَّ اللهَ العليمَ الحكيمَ الذي خَلَقَ المرأةَ على هذه الصورةْ، يَعلمُ ذلك منها،
ولذلك جعلَ شهادةَ المرأَتَين مُقابلَ شهادةِ الرجلِ الواحد، وعَلَّلَ ذلك بقوله: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) .
أي: تَأْتي المرأَتانِ لأَداءِ شهادتِهما على تَفْصيلاتِ الدَّيْن، وتوقَفُ الشاهِدَتان معاً، فإِذا نَسيتْ إِحداهُما بعضَ تلك التفصيلاتِ ذَكَّرَتْها صاحبتُها، وبذلك تتكامَلُ شَهادَتَاهما على تقريرِ الحقيقة!.
ولكنَّ الفادي لا يَعرفُ هذا المعنى، لذلك اعترضَ على القرآنِ وخطَّأَهُ،
واعتَبَرَهُ امتهاناً للمرأة.
قال: " ونحنُ نَسأل: كم هو مقْدارُ الغبْنِ والمهانة، التي تَشعرُ
بها السيداتُ من هذا المبدَأ المُهين، البَعيدِ كُلَّ البعدِ عن مبدأ المساواةِ في الشخصيةِ الإِنسانية؟
كم من امرأةٍ واحدةٍ فاضِلةٍ خيرٌ من عديدٍ من الرجالِ الجُهّال؟! ".
وكلامُه دليلُ جَهْلهِ وغبائِه، فالأَمْرُ ليس كما تَصَوَّرَه، وليس الكلامُ عن
الغبنِ والظلم، والاحتقارِ والمهانَة، وليس فيه تفضيلُ جنسِ الرِّجالِ على جنسِ النساء، بل هو موضوعٌ ماليّ إِجرائيّ تَفصيليٌّ خاصّ كما ذكرنا.
والمرأةُ مساويةٌ للرجلِ في الإِنسانية، وفْقَ التصور الإِسلامي، ثم تَفترقُ
عنه بعدَ ذلك في فُروق خاصَّةٍ بها، جعلَها اللهُ في كيانِها، لتُحققَ رسالتها
الإِنسانية، كما يفترقُ الرجلُ عنها في فروقٍ خاصَّةٍ به، ليُحققَ رسالسَه الإِنسانية.
ولا ننكرُ أَنَّ بعضَ النساءِ المؤمناتِ الصالحاتِ الفاضلات، أَفضلُ مِن
كثيرٍ من الرجالِ غيرِ الصالحين؛ لأَنَّ التَّقوى هي أَساسُ التكريمِ عندَ الله.