حول بقرة بني إسرائيل
حول بقرة بني إسرائيل
ذَكَرَتْ سورةُ البقرةِ قصةَ بقرةِ بني إسرائيل في سَبْعِ آياتٍ منها 67 - 73.
وخُلاصَتُها أَنه قُتِلَ قَتيلٌ من بني إِسْرائيل، زَمَنَ موسى - عليه السلام -، ولم يُعْرَف القاتل، ولما رَفَعوا القضيةَ إِلى موسى - عليه السلام -، أَخْبَرَهم بأَمْرِ اللهِ لهم أَنْ يَذْبَحوا بقرة، فعَجِبوا من ذلك، وظَنّوهُ يَهزأُ بهم ما فنفى ذلك، ولما سَأْلوهُ عن عمرِها
ولونِها وعملِها أَخبرهم، عند ذلك ذَبَحوها مُكْرَهين.
وضُربَ القَتيلُ بجزءٍ من تلك البقرة، فأَحياهُ اللهُ وأَخبرَ عن القاتِل!!.
وقد رَفَضَ الفادي المفترِي ما قالَه القرآنُ عن قصةِ البقرة، واتَّهمَ
النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بأَخْذِ القصةِ من التوراة، لأَنَّ القرآنَ عندَه ليس كلامَ الله، وإِنما هو من تأليفِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَهُ من مصادرَ بشرية؟
قال: " وتَاريخُ بني إِسرائيل من أَوَّلِه إِلى آخرِه خالٍ من هذه القصة.
ولعلَّ صاحبَ القرآنِ أَخَذَ طَرَفاً من روايتِه من التوراة ".
القصةُ عندَه غيرُ صَحيحة، لأَنها لم تَرِدْ في التوراة، ومرجعيَّتُه هي
التوراة، فما ذُكِرَ فيها فهو الصواب، وما لم يُذْكَرْ فيها فهو الخَطَأ..
مع العلمِ بأَنَّ التوراةَ مُحَرَّفَة، أَضافَ الأَحبارُ فيها كلامَ البشرِ إِلى كلامِ الله ...
أَما نحن المسلمين فإِنَّ القرآنَ هو مرجعيَّتُنا، ما ذُكِرَ فيه نجزمُ بأَنه هو الصوابُ
والصحيح، وما لم يُذْكَرْ فيه نتوقَّفُ في قَبولِه! وما خالَفَه نجزمُ بأَنه خَطَأ.
وبما أَنَّ قصةَ البقرةِ مذكورةٌ في سورةِ البقرة، فإِننا نجزمُ بوقوعِ أَحداثِها
التي ذَكَرَها القرآن، ولْيَقُل الفادي ما شاء!!.
ولاحِظْ عبارةَ الفادي القبيحة: " ولعلَّ صاحبَ القرآنِ أَخَذَ طَرَفاً من
روايتِه من التوراة "، فقد صَرَّحَ فيها بأَنَّ القرآنَ من كلام البشر، وليس كلامَ الله.
وبعدَما استعرضَ بعضَ كَلامِ التوراة حولَ القتلِ وأَحكامِه أَجرى مقارنَةً
بين كلامِ التوراة وما وَرَدَ في القرآن.
قال: " فهذه هي شريعةُ التوراة، التي تبيّنُ بَشاعةَ القَتْل، وتُعلنُ اعترافَ شيوخِ الشعبِ أَنهم لا يَعرفون القاتِل، بغسْلِ أيديهم على الذبيحةِ رمز البَراءَة، ثم يَطلبونَ الغُفْرانَ لتلك الخطيةِ المجهولَةِ الفاعِل! وهذا كُلُّه مَعْقول.
ولكنْ هل من المعقولِ أَنَّ قطعةَ لَحْمٍ من العجلةِ يُضْرَبُ بها القتيل، فيَحيا ويَتَكَلَّم؟! ".
يُنكرُ الفادي المعجزةَ في قصةِ البقرة، وهي التي أَشارَ لها قولُه تعالى:
(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) .
بعدما ذَبَحوا البقرة، أَخذوا قطعةَ لَحْمٍ منها، وضرَبوا القَتيل بها،
فأَحياهُ الله، وعَرَّفَ على قاتِلِه ثم مات.
وهذا غيرُ معقول عند الفادي الجاهل، لأَنه يَظُنُّهُ فِعْلاً عاديّاً، كباقي
أَفعال البشر..
لأَنه لا يُفَرِّقُ بينَ الفعلِ البشريِّ العادي، وبين المعجزةِ الربانية، التي يُجريها الله، ويَجعلُها آيةً لعباده، وهذه المعجزةُ لا بُدَّ أَنْ تكونَ
خارقةً لعاداتِ البشر!.
***
هل الرعد ملاك؟
وَقَفَ الفادي المفترِي أمامَ قولِ اللهِ - عز وجل - (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) .
ونَقَلَ كلامَ البيضاوي في تفسيرِ الآية، الذي ذَكَرَ فيه بعضَ الرواياتِ عن
الرعد، بأَنه مَلَكٌ من الملائكة، ومعه مخاريقُ من نارٍ يَسوقُ بها السَّحاب،
والبرقَ بأَنه مَلَكٌ آخُر من الملائكة!.
وعَلَّق الفادي على ما نَقَلَه عن البيضاويِّ بقولِه: " ونحنُ نَسأل: إِذا كانَ
الرعدُ والبرق من الظواهر الطبيعيةِ الناتجةِ عن احتكاكِ السَّحابِ ببعضها،
فكيفَ يقولونَ إِنها ملائكة؟! ".
إِنَّ البرقَ والرعدَ من الظواهرِ الطبيعيةِ الجوية، ولَيْسا مَلَكَيْنِ من الملائكةِ
يَسوقانِ السحاب، وما نَقَلَه البيضاويُّ في تفسيرِه إِنما هو أَقوالٌ ذَكَرَها بعضُ
السابقين، الذين لا يُقَدِّمونَ الدليلَ على ما يَقولون، ولا يَتَحَرَّونَ الدقةَ فيما
يَنْقُلون..
وما نَقَلَه من أَحاديث عن رسولِ الله - عليه السلام - لم تَصحّ.
وبما أَنه لم يثبُتْ شيءٌ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في أَنَّ الرعدَ والبرقَ مَلَكان من الملائكة، فإِننا لا نقولُ بذلك!.
واعتراضُ الفادي على الآيةِ مردود، واتهامُه للقرآنِ بأَنه يجعلُ الرعْدَ
مَلَكاً مردودٌ أَيضاً، لأَنَّ القرآنَ لم يَقُلْ بذلك.
الذي قالَه القرآنُ أَنَّ الرعْدَ يسبحُ بحمدِ الله، لأَنَّ الرعدَ مخلوقٌ من
مخلوقاتِ الله، وكُلُّ المخلوقاتِ تُسَبِّحُ اللهَ، قال تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) .
وليس معنى إِسناده التسبيح للرَّعْد أَنْ يكونَ الرعْدُ مَلَكاً يُسَبِّحُ، بل هذا
من حيويةِ التعبيرِ القرآني، الذي يستخدمُ طريقةَ التصوير، حيث قَدَّمَ الرعد في صورةٍ حيةٍ شاخصة، في صورةِ رجلٍ خاشعٍ عابدٍ يسبحُ اللهَ - عز وجل -.
***