في ذكرى المولد النبوي

بواسطة |   |   عدد القراءات : 886
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
في ذكرى المولد النبوي

بقلم: حسام عبد الكريم

 

هكذا وصف الامام علي بن ابي طالب(ع) سيدنا محمد (ص) , قال :

" ولقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يأكل على الأرض, ويجلسُ جِلسة العبْد, ويخصفُ بيده نعْله, ويَرْقعُ بيده ثوبَه, ويركبُ الحمارَ العاري ويُرْدفُ خلفه.

فأعرضَ عن الدنيا بقلبه, وأمات ذكْرها من نفسه, وأحبّ أن تغيب زينتها عن عينه لكي لا يتخذ منها رياشاً, ولا يعتقدها قراراً ولا يرجو فيها مقاماً. فأخرجها من النفسِ , وأشخصها عن القلبِ , وغيّبها عن البصر.

ولقد كان في رسول الله صلى الله عليه وآله ما يدلك على مساوي الدنيا وعيوبها. إذْ جاعَ فيها مع خاصته, وزُويتْ عنه زخارفها مع عظيمِ زُلفته.

 فلينظرْ ناظرٌ بعقله أكرمَ الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإنْ قال أهانه فقد كذب والله بالإفك العظيم. وإن قال أكرمه فليعلم ان الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس منه.

خرج من الدنيا خميصاً , وورد الآخرة سليماً.

لم يضع حجراً على حجرٍ حتى مضى لسبيله وأجاب داعي ربه.

فما أعظمَ مِنّة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفاً نتّبعه , وقائداً نطأ عقبه"

*****

وايضا قال الامام علي بن ابي طالب (ع) عن سيدنا محمد (ص) :

" مُستقرّهُ خيرُ مُستقرّ, ومنبته أشرفُ منبت. في معادن الكرامة ومماهد السلامة. قد صُرِفتْ نحوه أفئدة الأبرار, وثُنيتْ اليه أزِمّة الأبصار. دفن الله به الضغائن , وأطفأ به الثوائر. ألّف به إخواناً , وفرّق به أقراناً. أعزّ به الذلّة, وأذلّ به العزة. كلامُه بيان , وصمتُه لسان."

*****

ومن كلامٍ له (ع) ايضا بحق سيدنا محمد (ص) , قال :

" بعثهُ بالنور المُضيء والبرهان الجليّ, والمنهاج البادي والكتاب الهادي.

أسْرته خيرُ أسْرة, وشجرتُه خيرُ شجرة. أغصانها معتدلة وثمارها مُتهدّلة.

مولدُهُ بمكة , وهجرتهُ بطيبة. علا بها ذِكْرُه وامتدّ بها صوْتُه.

أرسله بحجةِ كافية, وموعظةٍ شافية ودعوةٍ مُتلافية.

أظهر به الشرائع المجهولة وقمَعَ به البدعَ المَدْخولة , وبيّنَ به الأحكامَ المَفصولة"

*****

ومن كلامٍ للامام علي بن ابي طالب(ع) يذكر فيه رسول الله (ص) , قال :

" اللهم يا جابلَ القلوبِ على فطرتها شقيّها وسعيدها , اجعلْ شرائف صلواتك ونوامي بركاتك غلى محمدٍ عبدك ورسولك, الخاتم لما سبق, والفاتح لما انغلق, والمُعلنِ الحق بالحق, والدافع جيشات الأباطيل, والدامغ صولاتِ الأضاليل, كما حُمّلَ فاضطلع, قائماً بأمرك مُستوْفزاً في مرضاتك, غيرَ ناكلٍ عن قُدُم, ولا واهٍ في عزم, واعياً لوحيك حافظاً لعهدك, ماضياً على نفاذ أمرك, حتى أورى قبَسَ القابسِ, وأضاء الطريقَ للخابط, وهُدِيتْ به القلوبُ بعد خوضات الفتن والآثام. وأقام بمُوضحات الأعلام , ونيّرات الأحكام . فهو أمينك المأمون , و خازنُ علمك المخزون, وشهيدك يوم الدين, وبعيثك بالحقّ, ورسولك الى الخَلْق.

اللهم أفسحْ له مفسحاً في ظلك, واجْزِهِ مضاعفات الخير من فضلك.

اللهم أعْلِ على بناء البانين بناءه, وأكْرم لديك منزلته, وأتممْ له نوره, واجْزه من ابتعاثك له مقبولَ الشهادة, ومرضيّ المقالة. ذا منطقٍ عَدْل وخطبةٍ فصْل.

اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش , وقرار النعمة, ومُنى الشهوات, وأهواء اللذات, ورخاء الدّعَة, ومنتهى الطمأنينة, وتحف الكرامة"

*****

وهذا مقطعٌ من قصيدة "البردة" للامام البوصيري, والتي تعتبرتحفة ادبية خالدة. ولا يكاد يختلف العارفون ان قصيدة "البردة" هي القمة العالية والذروة السامقة في أدب المدائح النبوية عبر التاريخ ,,,,

يــا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعـذرَةً مِنِّي اليـك ولَو أنْصَفْـتَ لَم تَلُـمِ

محمدٌّ سـيدُ الكــونينِ والثقَلَـيْنِ والفريقـين مِن عُـربٍ ومِن عَجَـمِ

نَبِيُّنَـا الآمِرُ النَّــاهِي فلا أَحَــدٌ أبَـرُّ في قَــولِ لا منـه ولا نَعَـمِ

هُو الحبيبُ الــذي تُرجَى شـفاعَتُهُ لكُــلِّ هَوْلٍ مِن الأهـوالِ مُقتَحَمِ

دَعَـا الى اللهِ فالمُسـتَمسِـكُون بِـهِ مُستَمسِـكُونَ بِحبـلٍ غيرِ مُنفَصِـمِ

فــاقَ النَّبيينَ في خَلْـقٍ وفي خُلُـقٍ ولم يُـدَانُوهُ في عِلــمٍ ولا كَـرَمِ

وكُــلُّهُم مِن رسـولِ اللهِ مُلتَمِـسٌ غَرْفَا مِنَ البحرِ أو رَشفَاً مِنَ الدِّيَـمِ

فَهْوَ الـــذي تَمَّ معنــاهُ وصورَتُهُ ثم اصطفـاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَــمِ

مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ

وانسُبْ الى ذاتِهِ ما شـئتَ مِن شَـرَفٍ وانسُب الى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَـمِ

فَــاِنَّ فَضلَ رســولِ اللهِ ليـس له حَـدٌّ فَيُعـرِبَ عنـهُ نــاطِقٌ بِفَمِ

أعيـا الورى فَهْمُ معنــاهُ فليسَ يُرَى في القُرْبِ والبُعـدِ فيه غـيرُ مُنفَحِمِ

كـالشمسِ تظهَرُ للعينَيْنِ مِن بُــعُدٍ صغيرةً وتُكِـلُّ الطَّـرْفَ مِن أَمَـمِ

وكيفَ يُــدرِكُ في الدنيــا حقيقَتَهُ قَــوْمٌ نِيَــامٌ تَسَلَّوا عنه بـالحُلُمِ

أكــرِمْ بخَلْـقِ نبيٍّ زانَــهُ خُلُـقٌ بالحُسـنِ مشـتَمِلٌ بالبِشْـرِ مُتَّسِـمِ

كالزَّهرِ في تَرَفٍ والبـدرِ في شَـرَفٍ والبحرِ في كَــرَمٍ والـدهرِ في هِمَمِ

كــأنَّهُ وهْـوَ فَرْدٌ مِن جلالَتِــهِ في عسـكَرٍ حينَ تلقاهُ وفي حَشَــمِ

لا طيبَ يَعــدِلُ تُرْبَـا ضَمَّ أعظُمَهُ طوبى لمُنتَشِـقٍ منـــه ومـلتَثِـمِ

يـا خيرَ مَن يَمَّمَ العـافُونَ سـاحَتَهُ سعيَــا وفَوقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُـمِ

ومَن هُــوَ الآيـةُ الكُبرَى لمُعتَبِـرٍ ومَن هُـوَ النِّعمَــةُ العُظمَى لِمُغتَنِمِ

سَرَيتَ مِن حَـرَمٍ ليــلا الى حَرَمِ كما سَـرَى البَدرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ

وبِتَّ ترقَى الى أن نِلـتَ مَنزِلَــةً مِن قابَ قوسَـيْنِ لم تُدرَكْ ولَم تُـرَمِ

فَحُزتَ كُــلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشـتَرَكٍ وجُزْتَ كُــلَّ مَقَــامٍ غيرَ مُزدَحَمِ

ومَن تَـكُن برسـولِ اللهِ نُصرَتُـهُ اِن تَلْقَهُ الأُسْـدُ في آجــامِهَا تَجِمِ

اِنْ آتِ ذَنْبَـاً فمــا عَهدِي بمُنتَقِضٍ مِنَ النَّبِيِّ ولا حَبـلِي بمُنصَـــرِمِ

اِنْ لم يكُـن في مَعَـادِي آخِذَاً بِيَدِي فَضْلا والا فَقُــلْ يــا زَلَّةَ القَدَمِ

حاشــاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكَارِمَهُ أو يَرجِعَ الجــارُ منه غيرَ مُحـتَرَمِ

يــا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به سِـوَاكَ عِنـدَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ

*****

ويصرّ الجماعة السلفيّون والوهابيون اصراراً شديداً على أن احتفال المسلمين بذكرى المولد النبوي انما هي "بدعة" في الدين ويعارضون ذلك بكل قوة وشراسة....

وهذا غريب جدا ! لماذا لا يريدون ان يفهموا ان هذا الاحتفال ليس جزءاً من الدين (لم يقل احد بذلك) وإنما هو بكل بساطة احتفالٌ يقيمه المسلمون للتعبير عن حبهم للنبي(ص) في ذكرى اليوم المبارك الذي ولد فيه ... أيّ عجب في ذلك ؟! الامر بسيط.

اما قولهم ان النبي(ص) لم يحتفل هو ذاته بعيد ميلاده، فهذا صحيح. لأنه (ص) كان مشغولا بنشر دينه وهداية الناس للخير والنور ، أكثر من اهتمامه بأن يقيم حفلات لعيد ميلاده !

المولد النبوي احتفالٌ يقيمه المسلمون للتعبير عن عاطفتهم تجاه النبي (ص)،،، أي أنه احتفال من المسلمين وليس بأمر من الله ولا من الرسول... وليس في ذلك أي إشكال.

حسام عبد الكريم

كاتب وباحث من الاردن

 

 

 

Powered by Vivvo CMS v4.7